بورتريه الشاعر الحسين أساكني Lhusayn Asakni
واحد من الذين يشهد لهم بعلو المرتبة في النظم والإنشاد، شاعر غزير الإنتاج سلس العبارة رقيق الشعور، دانت له الكلمات وسلمت له قيادها فسخرها في خدمة خياله الواسع، لقى احتراما وترحابا كبيرين لدى كل شعراء أحواش القدامي و المعاصرين، الذين يعترفون بقوة موهبته الشعرية.
ولد الحسين أو حمو أساكني سنة 1934 بقرية تاشتول بوادي أرغن ناحية تارودانت، من عائلة اشتهرت بالشعر و الأدب حيث كان عمه حماد أساكني شاعرا كبيرا و كذا أخوه على أساكني و ابنة أخته خديجة تاساكنيت ، عاصر جيلا من كبار إماريرن الذين أثروا في شخصيته تأثيرا بالغا ، ومنهم عمر ن شي علي وهمون أو بيهي ومبارك وبوحسين وحماد وبوحسين وبن واحمان و كلهم من أرغن مسقط رأسه، و كذا أكناو ن ومالو أوكريس و ابراهيم أعثمان من إكيدار ولهاشمي أزدو ، و قد تأثر بهذا الجيل الرفيع من الشعراء إلى درجة أنه بدأ في وقت مبكر و هو في الرابعة عشرة من عمره ينظم أشعارا أكبر من سنه، وكانت خطواته الأولى في أسايس عام 1948. وذلك أمام عمه حماد أساكني السابق الذكر، حيث الأرض والتجارة خاطبه ساخرا من عنايته بالنخيل الذي أصبح حرفة متجاوزة ولم يعد يغني عن فلاحة.
و قد كبر أساكني مفتتنا بمحاورات أحواش إلى درجة أنه وهبها كل سنوات شبابه، حيث استسلم لنهر «أمارك» الجارف و قضى سنوات شبابه المبكر لاهيا ساهرا منشدا أشعاره في مناطق أرغن و إداوز دوت وأولوز و تاليوين، إلى أن انتبه إلى صعوبة الجمع بين غواية الشعر و ضرورات الحياة التي تحاصره بهمومها، و التي ضاقت عنها بادية أرغن مما ألزمه بالهجرة إلى الدار البيضاء.
وقد انتهى المطاف بالشاعر إلى الاستقرار ببرشيد حيث فتح مقهى هناك، وحيث يزوره بين الفينة والأخرى بعض أصدقائه الشعراء القادمين من الجنوب أو العائدين إليه..
ولعل هذه الهجرة نحو المدينة هي التي حملت إسم أساكني شيئا فشيئا إلى منطقة الظل، وحجبته في الوقت الذي لمعت فيه أسماء شعراء آخرين سطع نجمهم في إسوياس. وبما أن الشاعر محكوم بلعنة الشعر - أو نعمته - فقد بحث عن حل للخروج من حصار المدينة التي تهدد موهبته بالإغتيال، فوجد مخرجا في طريقة الرسائل الشعرية ، التي تأتي في أغلبها مداعبات ساخرة تتمحور حول واقعة ما ، وفي بعضها تأتي إفراجا عن مكنونات الشاعر الوجدانية وانشغالاته الأخلاقية والسياسية والاجتماعية، كما أن الشاعر تفرغ لإبداع قصائد مطولة تعد بحق تحفا أدبية هامة.
وخلافا للرسائل الساخرة التي غرضها استفزاز الشاعر واستنطاق لسانه بجميل الأشعار، ثمة رسائل عميقة وفلسفية يبعث بها بعض الشعراء من باب تجديد الصلة بالشاعر واستطلاع رأيه في بعض شؤون الحياة العويصة، في هذه الرسالة التي بعث بها إليه الرايس بوسلام بن حماد نجد سؤالا وجوديا عن معاناة الإنسان على الأرض و عن شعوره الخالد بالتطلع إلى كمال بعيد المنال.
وفي عام 1969 التقى أساكني مع الشاعر موحماد بلمهدي، و ذلك بمدينة الدار البيضاء في أمسية أقامها أهل إداوز دوت الذين استنفروا شعراء هم آنذاك، وكان أساكني الوحيد الذي من أرغن، فجرت بينه و بين بلمهدي المحاورة الجميلة التالية التي تظهر قدرة شاعرنا على المناورة والرد اللطيف و الذكي
قد أصيب الرايس أساكني بالصمم بعد أن بلغ السبعين من عمره كما ضعف بصره. و يعتبر الشاعر مرارات العيش وحرقة المعاناة أمرا داخليا يخص الفرد لوحده وليس له أن يكثر من الشكوى إلى الغير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق