إيقاف مسلسل بابا علي: فرصة لصناعة دراما أمازيغية ترتقي بالمحتوى الثقافي والتاريخي
قرار إيقاف مسلسل "بابا علي" يُعتبر خطوة إيجابية ومهمة في سبيل تحسين مستوى الإنتاج الفني في الساحة الأمازيغية. فرغم ما حققه المسلسل من شعبية في بداياته، إلا أنه سرعان ما كشف عن العديد من النقاط الضعف التي ساهمت في تراجع جاذبيته. هذا التوقف يجب أن يُنظر إليه كفرصة لإعادة تقييم الإنتاجات المستقبلية بشكل أعمق وأشمل، خاصة مع الحاجة الماسة لتقديم أعمال فنية تليق بتاريخ وثقافة الشعب الأمازيغي. فالمشاهد الأمازيغي يستحق أعمالًا درامية تواكب تطلعاته وتُعبّر عن هويته وتاريخه بطرق مبتكرة واحترافية.
إذا كانت "بابا علي" قد كشفت عن بعض العيوب في البنية الدرامية والشخصيات غير المؤثرة، فإن هناك العديد من القصص التاريخية المذهلة لشخصيات أمازيغية يمكن أن تكون مصدر إلهام لأعمال فنية تروي حكايات عظيمة، تليق بالثقافة الأمازيغية وتؤرخ لها بطرق مدروسة وعميقة.
طارق بن زياد هو أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية التي يمكن أن تتحول إلى مسلسل تاريخي ملحمي. هذا القائد العسكري الذي قاد جيش المسلمين في معركة وادي لكة عام 711م وفتح الأندلس يعد من أعظم القادة في التاريخ الإسلامي. حياته مليئة بالتحديات التي يمكن أن تكون محطًا لدراما مشوقة، حيث يُمكن سرد كيفية صعوده من جندي بسيط إلى قائد عسكري فذ، وقدرته على توحيد الجنود من ثقافات مختلفة تحت راية واحدة. معركة "وادي لكة" ورؤيته الاستراتيجية في العبور إلى الأندلس عبر مضيق جبل طارق يمكن أن تشكل لحظات مثيرة تُعرض في قالب درامي يبرز الذكاء العسكري والشجاعة، مع التركيز على الجوانب الإنسانية لهذا القائد الذي تمكن من التغلب على قوى عظمى في زمانه.
شخصية أخرى تستحق الاهتمام هي الملك أكسيل، الذي قاد المقاومة الأمازيغية ضد الفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا في القرن السابع. أكسيل كان ملكًا قويًا استطاع أن يتصدى للغزو العربي بقيادة معاوية بن حديج، واستمرت مقاومته حتى معركة "تاوريرت" عام 683م. قصة أكسيل يمكن أن تقدم صورة رائعة عن التضحية الوطنية والتمسك بالهوية الأمازيغية، كما يمكن أن تُظهر تطور علاقات السياسة والحرب في تلك الفترة. دراما حول شخصية أكسيل يمكن أن تعرض البُعد الاجتماعي والثقافي للأمازيغ، وكيف كانوا يعيشون في مواجهة الغزاة والمستعمرين، فضلاً عن التحديات التي فرضها الاحتلال على قبائلهم.
محمد بن عبد الكريم الخطابي هو من الشخصيات الأمازيغية الحديثة التي تستحق أن تُخلد في أعمال فنية. القائد الريفي الذي قاد حرب الريف ضد الاستعمار الإسباني في بداية القرن العشرين، وحقق انتصارات كبيرة مثل معركة أنوال عام 1921، يُعد رمزًا للمقاومة الوطنية. يمكن تقديم حياة الخطابي في مسلسل درامي يعكس معاناته وأسلوبه القيادي في بناء جيش محلي من المقاتلين الريفيين. كما يمكن استعراض تحدياته في مواجهة واحدة من أكبر القوى الاستعمارية في العالم وقتها، وما تحقق من انتصارات ثم تضحيات. هذه القصة يمكن أن تبرز الروح القتالية للأمازيغ في مواجهة التحديات الكبرى، وتُظهر كيف أن الخطابي لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان رمزا للحرية والاستقلال.
تيهيا هي مثال آخر عن شخصية أمازيغية ملهمة، كانت تمثل قوة المقاومة في شمال إفريقيا ضد الغزاة الرومان. لقد خاضت معارك طاحنة وأظهرت شجاعة نادرة في مواجهة الاحتلال، حتى أنها أصبحت رمزًا للمقاومة النسائية في تلك الحقبة. تصوير قصة تيهيا في عمل درامي يمكن أن يعكس مقاومة الشعب الأمازيغي لا فقط على مستوى الرجال، بل أيضًا على مستوى النساء اللواتي كنّ شريكًا في صمود المجتمع الأمازيغي.
كل هذه القصص العظيمة يمكن أن تكون الأساس لصناعة أعمال درامية تليق بتاريخ وثقافة الأمازيغ. فعوضًا عن المسلسلات التي تفتقر إلى البناء الدرامي الجيد والرسالة الثقافية الواضحة، يمكن للمسلسلات التي تسلط الضوء على هذه الشخصيات أن تقدم إضافة حقيقية للفن الأمازيغي. لن تكون هذه الأعمال مجرد تسلية، بل فرصة لإحياء الذاكرة التاريخية وتعزيز الهوية الثقافية للأمازيغ في العصر الحالي، فضلًا عن نقل قيم العزيمة والشجاعة إلى الأجيال القادمة.
إيقاف "بابا علي" قد يكون بداية جديدة لصناعة دراما أمازيغية حقيقية تركز على تقديم القصص التاريخية الثرية، التي تبني حبكاتها على الأحداث التاريخية الحقيقية، وتبرز الشخصيات الأمازيغية العظيمة في أبهى صورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق